المختار الثقفي
هو أبو إسحاق، المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي، ولد عام 622م وهو من زعماء الثائرين على بني أمية، من أهل الطائف، أسلم أبوه في حياة الرسولr ولم يره، ولهذا لم يذكره أكثر الناس بين الصحابة مع أن ذكره ورد عند ابن الأثير في أسد الغابة
ترك المختار الطائف بصحبة والده، وانتقل إلى
المدينة في خلافة عمر بن الخطاب الذي أسند إلى أبي عبيد قيادة الجيش الذي بعثه إلى العراق سنة 13هـ، وبعد انتصاره في معركة النمارق والسقاطية، انهزم يوم الجسر، وقتل في هذه المعركة جمع كبير من القوات العربية من بينهم أبو عبيد نفسه.
بدأ ظهور المختار في خلافة الحسن ابن علي حيث
كان مع عمه في المدائن حين جرح الحسن، وأظهر ميلاً للأمويين، واقترح على عمه تسليم الحسن بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان، فينال عنده الحظوة واليد البيضاء، ولكن عمه أجابه «بئس ما تأمرني به يا بن أخي»، ثم لم يلبث المختار أن تحول إلى مناصرة
الحسين ابن علي حين بعث ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، فبايعه سراً، وأنزله في داره، وكان جزاؤه على ذلك أن زجّ به عبيد الله بن زياد في السجن حيث بقي حتى قُتل الحسين بن علي في كربلاء في المحرم سنة 61هـ، وأرسل المختار إلى زوج أخته عبد الله بن عمر بن الخطاب بالحجاز ليشفع فيه عند يزيد بن معاوية، فأمر يزيد بتسريحه على أن
يغادر العراق بعد ثلاثة أيام من الإفراج عنه، فغادر المختار العراق قاصداً الحجاز، وفي الحجاز تقرب من عبد الله بن الزبير وقاتل إلى جانبه وأبلى بلاءً حسناً في أثناء حصار الحصين بن نمير مكة، فلما توفي يزيد ابن معاوية سنة 64هـ وانصرف الحصين وأهل الشام من الحجاز بويع لعبد الله ابن الزبير بالخلافة ودانت له الحجاز والعراق والمشرق.
وتذكر المصادر أن المختار سأل عمّا آلت إليه حال
الكوفة بعد أن أخرج أهلها عامل عبيد الله بن زياد من مدينتهم، واعتقد أن الفرصة مواتية ليكون له الأمر فيها، وأن خير وسيلة ينفذ فيها إلى نفوس الكوفيين هو ائتلاف أهلها، ولكنه وجد أن سليمان بن صرد كان قد قطع شوطاً كبيراً في استقطاب ولاء أهلها، فبدأ يكيد له مما أدى إلى انضمام فريق من أتباعه إليه، ولما شعر عامل ابن الزبير أن أمر المختار قد استفحل قبض عليه وسجنه، فلجأ ثانية إلى عبد الله بن عمر، فشفع فيه عنده فسرحه، وخرج المختار من سجنه ليجد الشيعة في انتظاره، فقد قتل ابن صرد في عين الوردة وعادت فلول التوابين من الشيعة تبحث عن زعيم جديد، فوجدت ضالتها في شخص المختار ولاسيما أنه ادّعى أنه موفد محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب إلى
الكوفيين من أجل أخذ الثأر لأخيه الحسين من قتلته، وكان ممن انضم إليه إبراهيم بن الأشتر مع عشيرته ذات العز والعدد وساعده ذلك على الاستيلاء على السلطة في الكوفة، وإخراج عبد الله بن مطيع عامل ابن الزبير منها ثم عمد إلى تتبع كل من كانت له يد في مقتل
الحسين بن علي، فقتل منهم خلقاً كثيراً وظفر برؤوس قادتهم، ثم أرسل المختار قائد جيشه إبراهيم بن الأشتر لملاقاة عبيد الله بن زياد، وعلى الرغم من التفوق العددي لجيش ابن زياد فقد انتصر إبراهيم بن الأشتر في المعركة التي جرت على الخازر سنة 67هـ قرب قرية تدعى باريثا، بينها وبين الموصل خمسة فراسخ، وقتل فيها عبيد الله بن زياد، والحصين بن نمير وخلق كثير من أهل الشام.
ازدادت مكانة المختار بعد معركة الخازر، كما ازداد عدد أتباعه من أهل الكوفة، لكن الأشراف وسادات القبائل كان لهم موقف مغاير، إذ لم تخلص هذه الفئة للمختار، ولم تمحضه حبها، بل إن بعضهم حين قويت شوكته ترك
الكوفة، وهاجر إلى البصرة، واستنجد بمصعب ابن الزبير الذي كان يليها لأخيه عبد الله، وطلب الأشراف منه أن يشخص معهم إلى الكوفة ليخلصهم مما آلت إليه حالهم في ظل سيطرة المختار، ولعل من أهم أسباب هذا الموقف الذي اتخذه الأشراف من ثورة المختار أن هذا الأخير قرّب إليه موالي العتاقة، وأعطاهم نصيباً من الفيء، وكان تعليق الأشراف على هذا قولهم «لقد تأمر هذا الرجل علينا بغير رضانا، ولقد أدنى موالينا فحملهم
على الدواب وأعطاهم وأطعمهم فيئنا.... فلم يكن فيما أحدث المختار عليهم شيء أعظم من أن جعل للموالي من الفيء نصيباً»، ثم إن المختار استعمل أساليب ملتوية لاستقطاب الناس حوله، ولعل قضية الكرسي، وأن فيه أوامر الله وكلماته تشبيهاً بتابوت العهد عند بني إسرائيل خير دليل على ذلك وفعلاً فقد صدقته السبئية وغيرهم من أخلاط الناس، أما العرب من جماعته فقد سخروا منه وكان على رأس الساخرين إبراهيم بن الأشتر
الذي تخلى عن مناصرته، وكان هذا سبباً في هزيمته أمام مصعب بن الزبير الذي أمره عبد الله بن الزبير بقتال المختار، عندما رأى أن استفحال أمره يعد خطراً كبيراً على مركزه في العراق، ونشبت معارك عديدة بين مصعب والمختار انتهت بمقتله سنة 686م.
وبعث مصعب برأس المختار ورؤوس أصحابه إلى أخيه
عبد الله، وسمّر يد المختار على حائط المسجد في الكوفة، فلم تزل مسمورة حتى قدم الحجاج بن يوسف الكوفة، فأمر بها فانتزعت ثم دفنت.
التعليقات على الموضوع