التاريخ السياسي للمغرب



المغرب دولة ذات نظام حكم ملكي تتواجد جغرافيا بشمال غرب افريقيا تمتد على واجهتين بحريتين الواجهة المتوسطية والأطلسية. يعود تاريخ المغرب الى ما قبل التاريخ حيث تعاقبت عليه العديد من الحضارات من أهمها: الحضارة الأشولية: حوالي 700000 سنة قبل الميلاد الحضارة الموستيرية: من 120000 الى 40000 ق م الحضارة العاتيرية: ما بين 40000 و 20000 ق م الحضارة الايبروموريزية: ظهرت منذ حوالي 21000 سنة ثم الحضارة الفينيقية والحضارة المونيقية (القرطاجية) ثم فترة الحكم الرومانية (موريتنية الطنجية) والتي خلفت آثارا معمارية هامة كمدينة وليلي ومن ثم الى الحضارة الاسلامية سنة 646 م اي القرن الاول للهجرة لتتعاقب على حكم المغرب العديد من العائلات بدءا من الأدارسة وصولا الى الى العائلة العلوية الشريفة. وكأي دولة قائمة الذات خاض المغرب العديد من الحروب سواء ما قبل التاريخ ومابعده وسواء حروب التحرر من الاستعمار الروماني وثورات الأمازيغ على الدين الاسلامي وصولا الى حرب التحرير من قبضة المستعمر في تسعينات القرن الماضي. وسنحاول في هذه السلسلة المتواضعة تفكيك خيط من خيوط المملكة الشريفة او الايالة الشريفة او المملكة المحمدية الشريفة وما الى ذلك من التسميات التي تغيرت بتغير الواقع السياسي في المغرب الأقصى. – المغرب محط اطماع الدول الامبريالية الكبرى. في ظل التطور الرأسمالي للدول الصناعية الكبرى في اوربا وفائض الانتاج لجأت الدول الرأسمالية الى البحث عن اسواق جديدة لتصريف فائض الانتاج ويد عاملة رخيصة بدول الجنوب ونتيحة للموقع الاستراتيجي التاريخي للمغرب حيث كان هو الخط الرئيسي للتجارة الاوروافريقية تهافتت عليه اطماع المستعمرين من كل حدب وصوب وتجلى ذلك في في الصراع الناتج بين المانيا وفرنسا وبين ايطاليا وفرنسا وبين اسبانياوفرنسا ايضا حول المغرب مما جعل فرنسا توقع العديد من الاتفاقيات لتتنازل لها الدول الاخرى على حقها في استغلال المغرب ومن بين هذه الاتفاقيات: سنة1902 الاتفاق الفرنسي الإيطالي حول المغرب وليبيا. سنة1904 الاتفاق الفرنسي الإنجليزي حول المغرب ومصر. سنة1906 مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي أكد على احترام سيادة المغرب. سنة1911 الاتفاق الفرنسي الألماني حول المغرب والكونغو وذلك بعد تجاهل فرنسا للمطالب الألمانية في المغرب مما نتج عنه خلاف ألماني فرنسي انتهى بهذه الاتفاقية. مما ادى الى انفراد فرنسا واسبانيا بالمغرب وتقسيمهم المغرب الى ثلاثة اجزاء: الشمالي والجنوبي لاسبانيا والوسط لفرنسا. وفي صباح يوم 30 مارس 1912م فوجئ السلطان المولى عبد الحفيظ ب 3000 جندي فرنسي يحاصرون قصره بفاس لتنتزع منه فرنسا التوقيع على معاهدة الحماية بالقوة هذه المعاهدة التي تضمنت العديد من البنود منها: -تأسيس نظام جديد بالمغرب يشمل الإصلاحات الإدارية والعدلية والتعليمية والاقتصادية والمالية والعسكرية -احترام هذا النظام لحرمة السلطان وشرفه. احترام الشعائر الإسلامية وتأسيسات الأحباس -تنظيم مخزن شريف ومضبوط. -تفاوض الفرنسيين والأسبان على مصالح الدولة المغربية في المناطق الشمالية. -وجوب مساعدة السلطان على الاحتلالات العسكرية الفرنسية بالايالة المغربية لضمان الامن. وفي ظل الفوضى العارمة التي سادت البلاد تنازل المولى عبد الحفيظ على الحكم لصالح أخيه المولى يوسف الذي اعتبره المقيم العام الفرنسي ليوطي أنءاك بالملك المناسب لانه بدون شك سيقبل باصدار القرارات التي تخدم مصالح الفرنسيين بالمغرب.

الحركة الوطنية ومحاربة المستعمر

الحركة الوطنية المغربية هي امتداد لحركات الجهاد التي كانت تنطلق من المساجد والزوايا والرباطات لصد الغزو الإسباني والبرتغالي على السواحل المغربية. فبعد توقيع السلطان المولى عبد الحفيظ على معاهدة فاس مع السلطات الفرنسية في 30 مارس 1912، انتهت مرحلة طويلة من تاريخ المغرب المستقل ودخلت البلاد في مرحلة جديدة تمثلت في فقدان الاستقلال، مما ولد شعورا قويا بالانتماء للوطن وقد كان هذا الإحساس هو السبب الرئيسي لتصدي القبائل المغربية للاحتلال الأجنبي بواسطة مقاومة مسلحة.

تباين موقف المجتمع المغربي من الحماية في سنواتها الأولى، حيث انقسم إلى أكثر من جبهة في التعامل مع الظاهرة الاستعمارية الحادثة، فصنف منهم فضلوا الهجرة والهروب، وآخرون عبروا عن مواقفهم بما يمكن تسميته بالمقاومة السلبية بمظاهرها المتعددة كلزوم البيت وعدم مبارحته كما فعل بعض علماء فاس. ومنهم من العلماء وذوي السلطة من قواد العهد القديم خصوصا من تعامل مع فرنسا وسلطات الحماية بوصفها إدارة جديدة لمقاليد الحكم في البلاد. وفي هذا يقول العروي:

«”في هذه الظروف ماذا يفعل القوّاد والشيوخ إذا أصبحوا يواجهون جيشا يدّعي أنه يحاربهم باسم السلطان الشرعي؟” »

وتجلى ذلك الاختلاف عندما دخل أحمد الهيبة بقواته لمراكش في مارس 1912، فرفض الفقيه أبو شعيب الدكالي هذا التحرك، وتحركات أخرى مثل حركة مبارك التوزونيني وبلقاسم النكادي وبوحمارة وبوعمامة، حيث كان من الداعين إلى عدم جهاد الجيش المخزني والرضوخ لسلطات الحماية، حيث كان يشغل منصب وزير العدل ، وهو نفس موقف كبار رجالات البلاد، كما هو حال محمد بن الحسن الحجوي وزير المعارف، وفقهاء بحجم عبد الحي الكتاني ومحمد بن العربي العلوي، وقواد المخزن أمثال المدني والتهامي الكلاوي والعيادي بن الهاشمي والطيب الكندافي، وقد برر المؤرخ الناصري هذا الموقف:

«”لا يخفى أن النصارى اليوم على غاية من القوة والاستعداد، والمسلمون لم الله شعتهم، وجبر كسرهم، على غاية من الشظف والاختلال. وإذا كان كذلك، فكيف يسوغ في الرأي والسياسة بل وفي الشرع أيضا أن ينابذ الضعيف القوي، أو يحارب الأعزل الشاكي السلاح؟ وكيف يستجاز في الطبع أن يصارع المقعد القائم على رجليه، أو تناطح الشاة الجماء الشاة القرناء..؟” »



كما ظهرت أصوات تطالب بالإصلاحات السياسية لمحاربة الاستعمار، كمشروع دستور المغرب لسنة 1908، ومن هذه الأصوات أبو الفيض الكتاني، الذي دعا إلى الجهاد وطرد المعمرين من البلاد، وألف رسائل عديدة تدعو لمقاومة المحتل. وشارك والده في هذه الحركة الجهادية، وحضر معه مؤتمر القبائل المغربية بمكناس عام 1326 هـ، الذي ألف وأصلح فيه الشيخ أبو الفيض بين بعض القبائل ، واتفقوا على جهاد المستعمر الفرنسي والإسباني.

ظهرت العلامات الأولى للحركة الوطنية سنة 1925م مع نهاية حرب الريف، فقد كانت ثورة عبد الكريم الخطابي وما خلفته من صدى في الخارج والداخل، وما حققته من انتصارات على الإسبان في معركة ظهر أوبران وأنوال الأمل الوحيد للمغاربة في دحر الاحتلال العسكري بالقوة. لكن النكسة التي خلفها استسلام عبد الكريم الخطابي بعد تحالف الاسبان والفرنسيين ضده، ونفيه إلى الخارج، خلفت تأثيرا سلبيا في النفوس، ورغم استمرار المقاومة العسكرية في الأطلس إلى حدود سنة 1933 فإنه لم يكن لها ذاك الزخم الذي كان لثورة الريف، فكان لا بد من بديل آخر يساير المرحلة الجديدة فنشأت بوادر حركة وطنية جديدة تبنت العمل السلمي ولم تراهن على العمل العسكري.

فظهرت أول تنظيم ذي طابع سياسي أطلق عليه اسم “الرابطة الوطنية” وذلك سنة 1926م، وقد ضم زعماء ينتمون إلى الشمال والجنوب، مما يعني رفض الإقرار بواقع التجزئة الذي فرضته الحماية الفرنسية.

وبعتبر أغلب المؤرخين حدث 16 مايو 1930م، وهو تاريخ صدور «الظهير البربري»، البداية الفعلية للحركة الوطنية المغربية من حيث إنها كانت، أول ما ظهرت، رد فعل قوي وتلقائي على صدور هذ الظهير. ويرجع تخوف المغاربة من هذا القانون التشريعي الذي أعلنت عنه الإدارة الحمائية الفرنسية إلى كونه يقسم المغرب إلى عالمين متمايزين ومنفصلين انفصالا كليا: عالم العرب المغاربة أو الناطقين باللغة العربية، وعالم «البربر» الذين يتحدثون باللغة الأمازيغية وحدها، ويعتبر هذا القانون تطبيق للآيديولوجيا التي كان الفرنسيون يروجونها قبل حلول الاستعمار الفرنسي سنة 1912م،حيث كانت الصورة التي رسمتها معظم الدراسات الاستعمارية للمغرب أنه بلد مقسم إلى كتلتين بشريتين “العرب” و”البربر” والى منطقتين “بلاد السيبة” وبلاد المخزن” والى نظامين “نظام عرفي” سائد في المناطق الأمازيغية، ونظام شرعي في المناطق العربية.

تركزت المقاومة المسلحة في البوادي، بينما احتضنت المدن النضال السلمي،، وقد تركزت بدايات الحركة الوطنية بمدن كفاس وتطوان وسلا والرباط،على يد طبقة برجوازية متوسطة تخرجت من القروييين ومن المشرق.

يذكر التاريخ الرسمي المغربي أن 18 نوفبر من عام 1955 هو التاريخ الرسمي لاستقلال المغرب عن الحماية الفرنسية التي بدأت عام 1912 بموجب المعاهدة التي وقعها السلطان العلوي مولاي عبد الحفيظ مع الفرنسيين بمدينة فاس. 18 نوفبر 1955 هو تاريخ الخطاب الذي ألقاه السلطان محمد الخامس بعد عودته من المنفى وأعلن فيه بزوغ عهد الاستقلال، وهو التاريخ الذي أقرّه الملك الحسن الثاني تاريخاً للاحتفال بعيد الاستقلال. لكن المغرب لم يكمل استقلاله الحقيقي إلا في 2 مارس عام 1956، عندما وقّعت الحكومة الائتلافية المغربية بقيادة امبارك البكاي معاهدة إلغاء الحماية.

دليل مبسط للتعرف على السياسة في المغرب - نظام الحكم

يعرف دستور سنة 2011 نظام الحكم في المغرب بأنه نظام ملكية دستورية، ديمقراطية وبرلمانية واجتماعية، تقوم على أساس فصل السلطات، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطِنة والتشاركية، وعلى مبادىء الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.


دليل مبسط للتعرف على السياسة في المغرب - المخزن

تطلق لفظة المخزن في المغرب منذ القديم تعبيراً عن أجهزة الحكم منذ عهد الدولة الإدريسية، أي الإدارة التي باشر بها سلاطين المغرب الحكم. ترتبط بالمخزن كل الفئات الاجتماعية ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي، وفي عهد الدولة العلوية (العائلة الحاكمة في المغرب)، نشأت دولة المخزن، إذ تحول المخزن إلى سلطة سياسية واقتصادية وإدارية وروحية وأمنية واجتماعية وثقافية، تقوم على أساس الولاءات القبلية والعشائرية.

بالنسبة إلى كثير من المعارضين فإن هذا النظام بقي مستمراً في القرن الـ21 بالمنطق الماضي نفسه، فلا تزال الدولة، برغم إظهارها وجهاً حداثياً، تشتغل كبنية سلطوية تقليدية تعمل لمصلحة أقلية أرستقراطية ونافذة ومتحالفة مع لوبيات المال. لذا فإن أبرز شعار رفع خلال تظاهرات حركة 20 فبراير كان "الشعب يريد إسقاط المخزن".

دليل مبسط للتعرف على السياسة في المغرب - دستور 2011

لم يختلف الوضع في المغرب قبل دستور 2011 كثيراً عما كانت تعرفه عدد من الدول التي طالها الربيع العربي. اتسمت الحياة السياسية الحزبية المغربية بعودة النزعة التحكمية من أطراف داخل الدولة سعت إلى ترجيح كفّة حزب الأصالة والمعاصرة الذي أنشأه صديق الملك ومستشاره الحالي فؤاد عالي الهمة. اتهمت الدولة بمحاولة استنساخ المشهد التونسي في عهد بنعلي بخلق نظام حزب السلطة الوحيد، غير أنّ الحراك الذي عرفه المغرب (تظاهرات 20 فبراير 2011) جعل المشروع يفشل.

دليل مبسط للتعرف على السياسة في المغرب - جديد دستور 2011

برغم أن الدستور السادس للمملكة يقدمها رسمياً كملكية دستورية حقيقية، فإنّ كثيرين يعتقدون أن الوثيقة الدستورية الجديدة لا تعكس أي تغيّر عميق في بنية نظام الحكم القائم، وأن مقوّمات الملكية الدستورية الحقيقية (تسمّى الملكية البرلمانية أيضاً) لا تتحقق فيها، وأن ما منحته الملكية باليد اليمنى من صلاحيات للحكومة أخذته باليد اليسرى بشكل يجعل توزيع السلطات مجرّد شعار لا غير.

لم تحوّل الهندسة الدستورية الجديدة الدولة إلى ملكية برلمانية ديمقراطية، كما طالب قطاع كبير من النخبة السياسية المغربية. احتفظت الملكية بالوضع نفسه الذي كان لديها في الدساتير السابقة، أي أنها استمرت مؤسسةً حاكمة وحاضرة بقوة في المجال السياسي وحافظ الملك على أهم الاختصاصات، برغم إقرار مبادىء وقواعد جديدة لتعزيز السلطة التشريعية ودور رئيس الحكومة.

احتفظ الملك برئاسة المجلس الوزاري الذي يتولى التداول في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة، ومشاريع القوانين التنظيمية، والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية، ومشروع قانون العفو العام، ومشاريع القانون المتعلقة بالمجال العسكري، واحتفظ الملك كذلك بالحق في حلّ غرفتي البرلمان والحق في الإعلان عن حالة الاستثناء، كما يترأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الأعلى للأمن وقيادة القوات المسلحة، فضلاً عن اعتماده للقناصل والسفراء.

دليل مبسط للتعرف على السياسة في المغرب - حدود تدخل الحكومة

اعتبر الفصل الخامس من الدستور المغربي الحكومة "سلطة تنفيذية"، ما يعني أن الوثيقة الدستورية تقرّ بنوع من الثنائية في السلطة التنفيذية بين الملكية والحكومة. وهو الخطاب الذي قدم به حزب العدالة والتنمية الإسلامي بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية، حينما روّج لاقتسام السلطة بين الحكومة والملك. غير أن أيام التجربة الحكومية أكدت عكس ذلك، إذ استمرّ نفوذ المؤسسة الملكية وسيطرتها على القرارات الاستراتيجية في مقابل دور هامشي للحكومة.

فضلاً عن تغيير تسمية "الوزير الأول" بـ"رئيس الحكومة"، أصبح رئيس الحكومة بقوة الدستور منبثقاً من الأغلبية الفائزة في الانتخابات. حصر الفصل 92 من الدستور كذلك ميادين العمل الحكومي في 11 بنداً، أبرزها التداول في قضايا: السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري، السياسات العمومية، السياسات القطاعية، تعيين مديري الإدارات المركزية والإدارات العمومية ورؤساء الجامعات، والمدارس العليا. كما أنيطت بالحكومة اختصاصات التداول في: مشاريع ومراسيم القوانين قبل عرضها على المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك.

دليل مبسط للتعرف على السياسة في المغرب - مرجعيات الأطراف السياسية

قدّم حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي نفسه كأقوى قوة برلمانية في البلاد خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، غير أنه برغم هذا الاكتساح، فلم يكن ممكناً لحزب بنكيران أن يشكّل الأغلبية وحده، لأن طبيعة النظام الانتخابي المغربي وتقسيم الدوائر الانتخابية لا تسمح بذلك، وهو الحال الذي ظل عليه المشهد السياسي المغربي منذ أربعة عقود، فلم يكن ممكناً طوال تلك الفترة التمييز بين قوتين واضحتين إيديولوجياً تتنازعان على السلطة التنفيذية.


اضطر الإسلاميون للبحث عن توافقات مع كتل سياسية أخرى لتشكيل الحكومة، إذ تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب التقدم والاشتراكية اليساري ذي الماضي الشيوعي، وحزب الاستقلال اليميني أحد أقطاب الحركة الوطنية في المغرب بالإضافة إلى حزب الحركة الشعبية. بدا واضحاً غياب الانسجام في هذه التركيبة الحكومية منذ الأشهر الأولى عندما وجهت بقية مكونات الأغلبية اتهامات لوزراء حزب العدالة والتنمية بمحاولة احتكار القرار الحكومي وعدم التشاور مع باقي المكونات. انتهى الأمر إلى إعلان حزب الاستقلال انسحابه من الحكومة وسحب وزرائه منها.

حيال هذا المأزق، وجد الإسلاميون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يعلن بنكيران تقديم استقالته أو أن يرمم أغلبيته الحكومية بالتحالف مع ألد أعداء الأمس، وهو حزب التجمع الوطني للأحرار المقرب من السلطة. اختار الإسلاميون في نهاية المطاف الاستمرار في التجربة الحكومية وقبلوا على مضض وضع أيديهم مع من كانوا يصفونهم بـ"الفاسدين" قبل مدة غير بعيدة. وبينما استمر حزبا التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية كحلفين، حملت النسخة الثانية من حكومة بنكيران عودة فاعل جديد هو "الوزراء اللامنتمون" أو "التكنوقراط".


احتفظ الدستور الجديد بنظام الثنائية المجلسية، حيث يتكون البرلمان المغربي من مجلس النواب ومجلس المستشارين، واحتفظ البرلمان المغربي باختصاصاته التقليدية وهي التشريع ومراقبة عمل الحكومة، وأضيف إليه اختصاص تقييم السياسات العمومية. منح الدستورُ البرلمانَ الصفة التشريعية، أي مناقشة وإقرار أو رفض مشاريع القوانين التنظيمية التي تقدمها الحكومة، غير أن مناقشة وعرض هذه القوانين التي يتضمنها المخطط التشريعي الحكومي تعرف بطئاً شديداً لا يحترم الأجندة التي سبق أن أعلنتها الحكومة.


وجب التمييز في المغرب بين معارضة تعارض الحكومة، ومعارضة تعارض النظام القائم وسياساته، فإذا كانت حكومة الإسلاميين تحظى بمعارضة برلمانية متنوعة من اليسار إلى اليمين، فإن سياسات المؤسسة الملكية تحظى هي الأخرى بمعارضة غير مؤسساتية موزعة بين يسار وإسلاميين.

تجد حكومة الإسلاميين معارضة من حزبي الاتحاد الاشتراكي اليساري العريق (واحد من أكبر الأحزاب المعارضة في المغرب في عهد الحسن الثاني) وحزب الاستقلال حليف الأمس في النسخة الأولى من الحكومة، بالإضافة إلى حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من السلطة. تحاول المعارضة البرلمانية الاستفادة من الوضع الدستوري الاعتباري الذي خوّلها صلاحيات أكبر في ممارسة الرقابة وفي رئاسة اللجان النيابية، والحق في الاستشارة المسبقة من جانب الحكومة في القوانين المتعلقة بالاختيارات الكبرى، لكن هامش تحرك هذه المعارضة يبقى محدوداً.

فضلاً عن المعارضة البرلمانية تجد سياسات الحكومة معارضة من خارج المؤسسات وهي معارضة تمثلها المكوّنات المختلفة التي خرجت في تظاهرات حركة 20 فبراير والتي قاطعت معظمها الاستحقاقات الدستورية والانتخابية الأخيرة. بينها نجد اليسار الراديكالي، المنقسم بدوره إلى تيارات مختلفة في وجهات النظر، وحزب النهج الديمقراطي ذو العقيدة الماركسية الذي لا يزال يرفض الاعتراف بشرعية النظام الملكي القائم. إلى جانبه نجد حزبين يساريين آخرين يعتبران الانتقال الديمقراطي رهيناً بملكية دستورية حقيقية شبيهة بتلك الموجودة في اسبانيا أو انجلترا: حزب الاشتراكي الموحد (تحالف لعدد من المجموعات اليسارية المستقلة) وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وإلى جانبهما حزب المؤتمر الوطني الاتحادي. شكلت الأحزاب الثلاثة الأخيرة تحالفاً أطلقت عليه اسم "فيدرالية اليسار الديمقراطي"، غير أن هذه التيارات تفتقد الامتداد الشعبي في الشارع ما يجعل حركيتها جد ضعيفة وغير مؤثرة.

كما نجد إسلاميي جماعة العدل والإحسان الصوفية، وهي تتوفر على قواعد تقدر بالآلاف من المنتمين والمتعاطفين، ويعتبرها المراقبون القوة المعارضة الأولى للنظام من حيث العدد والتنظيم والفعالية. لعبت الجماعة التي فقدت في السنة الماضية مؤسسها عبد السلام ياسين دوراً مهماً في تظاهرات 20 فبراير قبل أن تعلن انسحابها بعد سنة من الحراك بسبب عدم جدواه. تعدّ الجماعة أن بنية النظام الحاكم مستبدة وترفض المشاركة في المؤسسات القائمة، ووجهت الجماعة انتقادات لاذعة للتجربة الحكومية التي يقودها إسلاميو العدالة والتنمية.


حاول الملك محمد السادس لدى وصوله إلى العرش إظهار وجه مختلف عن والده، والترويج لاستعداده لطي صفحة الماضي الأليمة (لإعلان عن تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة)، والمساهمة في الانتقال الديمقراطي وبناء دولة القانون. هكذا جرى الترويج لمفاهيم وصور اعتبارية من قبيل "العهد الجديد" و"النموذج المغربي" و"الملكية المواطنة" وغيرها من المصطلحات التي أبدعتها الآلة الدعائية للنظام المغربي، فإذا كان الإعلام الرسمي المغربي في عهد الملك الراحل قد ابتكر عبارات فريدة من نوعها من قبيل "الديمقراطية الحسنية" حينما تمثل الديمقراطية كمفهوم في شخص الحسن الثاني، فإنه أوجد للملك الجديد عبارات أفضل.

قوس الانفتاح الذي فتح في بداية عهد محمد السادس سرعان ما أغلق بسرعة، وعادت الأمور تدريجاً إلى نصابها. عادت اللعبة السياسية إلى ما كانت عليه وعاد التضييق على حرية الرأي والصحافة إلى سابق عهده.



تعامل النظام المغربي بذكاء مع الربيع العربي، حينما سارع إلى محاولة احتواء الاحتجاجات التي انطلقت في 20 فبراير 2011 بتوجيه الملك خطاباً إلى الشعب معلناً فيه تعديلات دستورية، وبالاعتراف الضمني من وسائل الإعلام الرسمية بعدالة مطالب الشارع. بغض النظر عن سطحية هذه التعديلات، فإن هامش الحريات التي أملته ظروف الحراك في كل المنطقة سرعان ما تقلص بعد أن انتهى الربيع إلى مآلات سيئة في عدد من الدول كسوريا وليبيا. سجل تصاعد عدد اعتقالات الناشطين السياسيين المعارضين بعد المصادقة على الدستور الجديد (آخرها مجموعة تظاهرة 6 أبريل).

في الوقت نفسه، نجح المغرب في الترويج لمقولة "الاستثناء المغربي" التي تنطلق من كون المغرب مختلفاً عن البلدان التي عرفت انتفاضات شعبية. تذهب هذه النظرية أبعد من ذلك حينما تقول إن التغيير الثوري جاء من الملك وليس من الشارع مقللة من أهمية الحراك الذي عرفه الشارع المغربي.



لا تزال العلاقة بين المغرب والجزائر متسمة بالتوتر على المستوى السياسي، إذ يشكّل نزاع "الصحراء الغربية" عصب الخلاف المغربي الجزائري الممتد منذ استقلال الجزائر، حين اندلعت حرب الرمال بين البلدين سنة 1963 انتهت بفوز عسكري مغربي كاسح. استمر التوتر إلى أن أعلن الرئيس الجزائري الهواري بومدين دعم البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) مادياً وعسكرياً. لا تزال العلاقة بين الحكمين موسومة بالتشنج وتبادل الاتهامات.

ليست هناك تعليقات

جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند)

جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) هي دولة أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991 عقب اندلاع الحرب الأهلية الصومالية. لكن لم يتم الاعتراف بها ...