تيمورلنك.. اللص الأعرج الذي قتل مليون إنسان وتسبب في غزو هتلر لروسيا



رجلٌ تتاريٌ، صاحب ساقٍ عرجاءٍ، أنشأ إمبراطورية عظيمة، امتدت من بلاد ما ورا النهر (وسط آسيا) إلى الهند وروسيا والعراق والشام، ولقب بـ«قاهر الملوك والسلاطين»، و«صاحب قرن الإقليم السبعة».
هو تيمور بن ترجاي، ويُعرف بـ تيمورلنك، أحد أحفاد القائد المغولي جنكيز خان، ولد في مدينة كش في جنوب سمرقند (أوزبكستان) في عام 1336ميلاديًا، ونشأ في بيئة رعوية.
اعتبره المؤرخون أحد كبار القادة العسكريين الذين ظهروا في التاريخ، بينما يراه البعض بأنه كان نقمة على العالم الإسلامي، وقام بمجازر وحشية يندى لها جبين الإنسانية رغم إدعائه الإسلام والتدين.
وصفه معاصروه بأنه «طويل القامة، عظيم الهامة، كبير الجبهة، شديد القوة، أبيض اللون مشربا بحمرة، عريض الاكتاف، غليظ الأصابع، مستكمل البنية، مسترسل اللحية، أشل اليد، أعرج اليمنى، تتوقد عيناه، جهورى الصوت، لا يهاب الموت».
ولقب بـ«تيمور الأعرج» لتعرض لإصابة عندما كان صغيرًا، وعاش صباه في قبيلة «البرلاس»، وأتقن فنون الحرب الشائعة في الصحراء من الصيد والفروسية ورمي السهام حتى غدا فارسًا ماهرًا، واعتنق الإسلام على يد شخص يدعى «السيد بركة».
كان أول ما عُرف عنه أنه كان لصًا ماهرًا، وسرق في إحدى الليالي غنمة، وحملها ليهرب فانتبه الراعي، وأصابه بسهم في كتفه، ثم بأخر فأصاب فخذه وعمل فيه جرح غائر كان السبب في عرجه بعد ذلك، واستمر في السلب والنهب وقطع الطرق وكان قائد مجموعة لصوص مكونة من 40 شخصا، كما فقد في إحدى المغامرات إصبعيه السبابة والوسطى من يده اليمنى.
بدأ طريقه للسلطة عندما توفي حاكم تركستان عام 1357 قام صاحب مدينة «قشعر» بغزو بلاد ما وراء النهر وجعل ابنه «إلياس توجلق» قائدا للحملة، وأرسل معه تيمور وزيرا، ثم حدث خلاف بينهما ففر «تيمور»، وأنضم إلى الأمير حسين، آخر إيلخانات تركستان، فتقرب إليه ونال عنده منزلة كبيرة حتى صار من الأمراء وتزوج من أخت السلطان، وانتصرا سويا على «إلياس»، واستولوا على بلاده.
ودب الخلاف بين «تيمور» و«الأمير حسين»، وقتل «لنك» زوجته، أخت السلطان، ثم ما لبث أن حاربه وانتصر عليه وأصبح تيمور أميرًا للتتار وسيطر تمامًا على ما وراء النهر، واستطاع أن يضم إلى ملكه مدن هراة وخوارزم.
بد أ تيمورلنك بوضع استيراتيجية تهدف إلى انشاء إمبراطورية مغولية كبرى على غرار جنكيز خان، سميت «الامبراطورية التيمورية»، ولم يتورع عن سفك الدماء، ومن أجل تحقيق ذلك امتد نشاطه من نهر الفولجا في روسيا حتى دمشق في الشام ومن أزمير في آسيا الصغرى حتى نهر الجانج في الهند.
وبدأت توسعاته عندما استنجد أحد خانات بلاد مغول الشمال، بتيمور بعدما دخل ماماي، خان القرم، مدينة سراي، فأنجده «تيمور» ودخل مدينة سراي، واستطاع أيضًا إخضاع الروس ودخل مدينة موسكو عام 783هـ، واستطاع في الفترة من 782- 786هـ أن يضم أكثر أجزاء الدولة الإيلخانية.
اتجه تيمورلنك عام 800هـ إلى الهند واستطاع ضم كشمير ودهلي وهزم السلطان محمود وعين على دهلي حاكمًا من قبله.
واتجه إلى الأناضول لمحاربة السلطان العثماني بايزيد الأول، وذلك لإيوائه أحمد بن أويس، وقرة يوسف الخارجين على تيمورلنك بعد أن أخضع في طريقه حلب ودمشق وبغداد، وخاف المماليك من تيمور ودفعوا له إتاوة وخطب باسمه ثم واصل تيمور طريقه لمحاربة العثمانيين، فالتقى معهم في سهل أنقرة عام 805هـ وهزم العثمانيين.
ويقول المؤرخون إن من «جرائمه ما حدث في إقليم خراسان عندما هاجم مدينة سبزوار في خراسان، واستمات أهلها في الدفاع عن مدينتهم ولكن في نهاية الأمر استولى تيمور على المدينة وأمر برفع الراية السوداء ومعناها الأمر بالقتل العام الذي استمر حتى الغروب فكان عدد القتلى 90 ألف قتيل، وأجبر الباقين على قيد الحياة من الأهالي بفصل روؤس القتلى عن أجسادهم وأمر المعمارين والمهندسين في جيشه بأن يبنوا برجين من هذه الرؤوس».
كما أمر بدفن 2000 رجل من الأسرى أحياء ثم أمر بتسوية المدينة بالأرض كي لا تتجرأ المدن الآخرى على مقاومته.
وروى المؤرخون أنه عندما اقتحم مدينة اصفهان بإيران، كان جنوده يبقرون بطون الناس ويستخرجون أحشاءهم فلا يجدون فيها إلا القليل من الأعشاب وورق الأشجار الذي أصبح قوت الناس بعد أن أكلوا كل شيء من الخيول والبغال والقطط والفئران وقام تيمور بهدم مسجد المدينة، وقتل من فيه.
ويُروى أن أحد الشيوخ قام بجمع الأطفال وجعلهم على طريق تيمور لكي يستميل قلبه ويرحم بالبقية الباقية من أهالي المدينة ولكن قام هو وجنوده بدهس هؤلاء الأطفال تحت حوافر خيولهم وقتلهم جميعًا، وأمر جنوده بألا يتوقفوا عن القتل حتى يجمعوا 70000 رأس فأخذوا يقطعون رؤوس الرجال حتى لم يبق رجل في المدينة ليقطعوا رأسه فأخذوا يقطعون رؤوس النساء والأطفال حتى جمعوا العدد المطلوب فأمر تيمور ببناء 24 منارة من هذه الرؤوس تركها خلفه لكي تكون عبرة لكل من يجرأ على مقاومته.
وعن جرائمه في الشام والعراق، وحلب، وحماة وطرابلس وبغداد. يقول غالب الطويل، في كتابه «تاريخ العلويين»: «ثم سافر تيمور لنك إلى الشام، وقبل سفره جاءت إليه العلوية النصيرية (درة الصدف بنت سعد الأنصار)، ومعها أربعون بنتًا بكرًا من العلويين، وهن ينحن ويبكين ويطلبن الانتقام لأهل البيت، فوعدهن تيمور بأخذ الثأر، فكان ذلك سببًا في نزول أفدح المصائب التي لم يسمع بمثلها بأهل الشام، ولم ينج من بطش تيمور لنك بالشام إلا عائلة من النصارى، وأمر تيمور لنك بقتل أهل السُّنَّة، واستثناء العلويين النصيريين».
ومن فظائع ما فعله قتله في حلب وحدها ما يزيد على عشرين ألفًا، بينما أسر أكثر من ثلاثمائة ألف، ثم حرقها ونهبها وخرب ما تبقى فيها، واتجه بجيشه نحو حماة والسلمية وارتكب فيهما مثل ما ارتكب في حلب، وواصل إلى دمشق ولم يستطع أهلها مقاومته بعد كثير ممانعة، فلما دخلها أشعل في كل ركن فيها النار لمدة ثلاثة أيام متواصلة، فاحترق كل ما فيها، وأصبحت جبالًا من رماد، ثم اتجه إلى طرابلس(لبنان) وبعلبك فأتى عليهما، وفي طريق عودته مرَّ على حلب مرة أخرى، فأحرقها ثانيةً، وقاومته مدينة حمص مقاومة شديدة، فلم يدخلها.
وأفتى علماء من المعاصرين واللاحقين له بكفره عن ملة الإسلام، فقال السخاوي، رحمه الله، في سياق كلامه عنه إنه «يعتمد قواعد جنكيز خان ويجعلها أصلاً؛ ولذلك أفتى جمع جمٌّ بكفره، مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة».
كما مدحه بعض العلماء المعاصرين له فقال ابن عربشاه: «حدثني العلامة شهاب الدين أحمد ابن عبدالله بن عرب شاه من لفظه، ومن خطه نقلت عن مولانا محمود الخوارزمي المعروف بالمحرق أنه حكى له عن تيمور أنه قال في مجلس خلوه: يا مولانا محمود أنظر إلى ضعفي وقلة حيلتي ولا يدَ لي ولا رجل، لو رماني أحد لهلكت ولو تركني الناس لارتبكت، ثم تأمَّل كيف سخر الله لي العباد، فهل هذا إلا منَّةٌ؟ ثم بكى وأبكى».
ويحكي «بن العماد» في كتاب «شذرات الذهب» عن شخصيته، قائلًا: «كان تيمور لنك مُغرى بقتل المسلمين وغزوهم وترك الكفار(غير صحيح بل كان شره عاماَ) وكان شيخاً طوالًا شكلًا مهولًا طويل اللحية حسن الوجه بطلًا شجاعًا جبارًا ظلومًا غشومًا سفاكًا للدماء مقداماً على ذلك، وكان أعرج سُلَّت رجله في أوائل عمره، وكان يصلي عن قيام، وكان جهوري الصوت يسلك الجد مع القريب والبعيد ولا يحب المزاح، وكان يقرِّب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم، ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه، وكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب، وما أخرب البلاد إلا بذلك، وكان من أطاعه في أول وهلة أمن، ومن خالفه أدنى مخالفة وهن، وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب وفراسة قلَّ أن تخطئ، وكان عارفًا بالتواريخ لإدمانه على سماعها، لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفراً ولا حضراً. وكان مغرى بمن له صناعةٌ ما إذا كان حاذقاً فيها، وكان أميًا لايحسن الكتابة، وكان حاذقاً باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة، وكان يقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلاً، ولذلك أفتى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة».
مات تيمورلنك عام 808هـ وهو في طريقه لغزو الصين، ويصف «ابن عربشاه» حالة تيمور لنك عند موته فيقول: «ومع أن تيمور كان في مأمن من البرد، ولكنه أحس ببروده كالصقيع داخل جسمه، فأمر بأن يمزجوا له الأشربة المدفئة والأدوية المنشطة، ولكنها لم تنفعه بشيء، وقبع في فراشه لا يسأل ولا يعلم بأمور جيشه ولا دولته، ثم جمع الأطباء فقاموا في أشد أيام الشتاء برودة بوضع الثلج على بطنه وخاصرته لمدة ثلاثة أيام، وكان يتقيأ دمًا من فمه، وكان يتلوى من الألم ويطلب المساعدة من جميع من حوله، ولكن هيهات أن ينقذه أحد من مصيره، ويا ليتك كنت معي حينها لتراه كالبعير المعقور يتلوى ويداه تمسك برقبته ووجهه ينضح دمًا، ولعناته تضج إلى السماء».
بعد موت تيمورلنك أخذت النزاعات تدب في أوصال الأسرة التيمورية، واستقل الكثير من أطراف البلاد، وظلت الأسرة التيمورية تحكم بلاد ما وراء النهر حتى جاء آخر ملوكها السلطان محمود ومات عام 900هـ، فدب الخلاف بين أبنائه وظهر الأوزبك والصفويون وغيرهم، أما في الهند فحكم فرع من الأسرة التيمورية، تسمى امبراطورية المغول المسلمين، التي سقطت على يد الاحتلال الإنجليزي.
ومن الطرائف بعد موته أنه أثناء قيام فريق روسى بفتح مقبرة تيمورلنك وجدوا تهديد منقوش على القبر يحذر كل من تسول له نفسه بفتح القبر
فقد كتب تيمورلنك أنه «من فتح لى قبري، سيطلق العنان لقوة غاشمة أكثر فظاعة منى تجتاح أرضه»، وحدث بعد يومين فقط أن أجتاح هتلر أرض الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية.

ليست هناك تعليقات

جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند)

جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) هي دولة أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991 عقب اندلاع الحرب الأهلية الصومالية. لكن لم يتم الاعتراف بها ...