فرسان الهيكل.. بذرة الماسونية الأولى
فرسان الهيكل هو اختصار لاسم أول منظمة عسكرية وأشهرها في تاريخ أوروبا، وهي المنظمة الأم التي كانت كل المنظمات العسكرية في تاريخ أوربا فرعاً منها أو تقليداً لها، واسمها الكامل هو “الجنود الفقراء من أتباع المسيح وهيكل سليمان”. ولا توجد معلومات موثقة عن نشأة المنظمة ولا بداية تكوينها، وكل الذين أرخوا لفرسان الهيكل لجأوا إلى مصدر وحيد كُتب بعد سبعين سنة من إنشائها على يد وليَم الصوري. وقبل أن نستعرض نشأة المنظمة وتطورها وصولا إلى أفولها وتفتتها إلى عشرات المنظمات السرية القائمة حتى اليوم، يجدر بنا الحديث عن الجذور التاريخية التي تعود إلى بني إسرائيل.
الجذور الإسرائيلية
يقول مؤرخون إن هيكل سليمان في بيت المقدس كان يضم مدرستين إحداهما للصبيان والأخرى للفتيات، وكانت الأولى تخرج كهنة الهيكل والربانيين والأحبار ليكونوا صفوة المجتمع اليهودي، وكانوا يُختارون من العائلات الثابت انحدارها من سبط لاوي المتحدر من النبي هارون، بينما يختص سبط يهوذا المتحدر من النبي داوود بالمُلك.
وعندما هدم الإمبراطور الروماني فسباسيان الهيكل سنة ٧٠م تفرق رؤساء السبطين وأسرهم ومن تبعهم في أرجاء الأرض، واستقر عدد كبير منهم في أوربا الغربية. وكانت تقاليدهم تقتضي الاندماج في المجتمعات الأخرى والتظاهر باتباع الدين السائد وإخفاء أنسابهم الحقيقية، بخلاف عوام اليهود ممن يعلنون أنسابهم ويمارسون شعائرهم.
وطوال قرون حرص سبط المُلك وسبط الكهانة على التوغل في المجتمعات والصعود إلى قمتها، فأحد فروع أسر الملك الإلهي صار هو صلب الأسرة السكسونية الحاكمة في إنجلترا، كما امتزج فرع آخر مع الأسرة الميروفنجية التي حكمت فرنسا مابين القرنين الخامس والثامن الميلاديين، بينما وصل فرع آل سيتوارت إلى عرش اسكتلندا.
ومن هذه الأسر أيضا آل سان كلير التي حكمت نورماندي شمال غرب فرنسا، وتزاوج أبناؤها مع أسر الملك الإلهي الأخرى في فرنسا وهي شومو وجيزور وكونت وكونت شامبان وبلْوا وبولون.
ووفقا لكتاب “المُلك الإلهي” الصادر عام 2000م فإن مجموعة أسر الملك الإلهي كانت قد سيطرت على معظم أوربا الغربية مع مطلع القرن العاشر الميلادي بتغلغلها في الأسر الحاكمة، وهو أمر لم يلاحظه معظم المؤرخين التقليديين.
ونتيجة لهذا النفوذ نجحت الأسرة الميروفنجية في التغلغل إلى داخل الكنيسة الكاثوليكية وصولا إلى تعيين ستة بابوات من أصول ميروفنجية، كان أولهم البابا سلفستر الثاني سنة ٩٩٩م، وآخرهم هو أوربان الثاني الذي أعلن بدء الحروب الصليبية عام 1096 باسم الكاثوليكية، وذلك بعد استكمال خطة حشد أوربا المسيحية وراء أسر الملك الإلهي التي تجري فيها الدماء الإسرائيلية.
تشكيل المنظمة
مع وصول الصليبيين إلى الأراضي المقدسة وسيطرتهم على بيت المقدس، انتقلت خطة أسر الملك الإلهي إلى المرحلة التالية، ففي سنة ١١١٨ سافر إلى القدس تسعة فرسان من السلالة الإسرائيلية وعلى رأسهم هوج دي بايان وأندريه دي مونتبارد، والتقوا بالملك بلدوين الثاني الأخ الأصغر لأول ملوك مملكة أورشليم اللاتينية الصليبية جودفروا دي بويون وخلفه عليها، وأسفر اللقاء عن تكوين منظمة فرسان الهيكل تحت مسمى “الجنود الفقراء من أتباع المسيح وهيكل سليمان”.
وكان الهدف المعلن للمنظمة هو حراسة طرق الحج المسيحية من سواحل يافا إلى أورشليم وحماية الحجاج المسيحيين القادمين من أوربا من قطّاع الطرق.
وذهب بعض الباحثين إلى أن هذا الهدف لم يكن سوى غطاء لأهدافهم الحقيقية، وذلك لسببين، الأول هو أن تأمين طرق الحج الطويلة من يافا إلى أورشليم مهمة يستحيل أن يقوم بها تسعة فرسان في الأربعينيات من العمر، والثاني أنهم جعلوا مقر قيادتهم في المسجد الأقصى وليس على طريق الحج كما يُفترض.
فبعد استيلاء الصليبيين على القدس وتحويلها إلى مملكة أورشليم اللاتينية، حوّلوا المسجد الأقصى إلى “هيكل الرب”، وفي السنوات العشر الأولى من عمر المنظمة لم تفعل شيئا له علاقة بالمهمة التي ادعتها بل كانت مشغولة فقط بالحفر والتنقيب تحت المسجد الأقصى، حيث اكتشف الكابتن البريطاني وارين في سنة ١٨٦٧ الأنفاق التي حفرها فرسان الهيكل وفيها بعض آثارهم من تروس وصلبان.
في مجمع طروادة سنة ١١٢٩ م تمكن برنارد دي كليرفو -كبير مستشاري البابا وابن أخ مونتبارد- من الحصول على اعتراف الكنيسة بفرسان الهيكل. وبما أن الكنيسة لم تكن تقبل فكرة أن يكون الرهبان مقاتلين، فقد كتب دي كليرفو عدة رسائل ومقالات، كان أشهرها رسالة كتبها سنة ١١٣٥ بعنوان “في مدح فرسان الهيكل” ووصف فيها فارس الهيكل بأنه “فارس لا يعرف الخوف الطريق إلى قلبه، وما يحرسه ويقوم على حمايته آمن ومصون، قوة الإيمان تحرس روحه، كما أن الحديد يحمي جسده، ولأن سلاحه في جسده وفي روحه معاً، فلا خوف يعتريه ولا يتمكن منه إنسان”.
وفي سنة ١١٣٩ تمكن دي كليرفو من استصدار مرسوم بابوي من البابا الجديد إنوسنت الثاني يمنح فرسان الهيكل حق المرور عبر حدود الممالك والإمارات الأوربية كافة بحرية تامة ودون دفع ضرائب عبور، كما استثناهم من الالتزام بالقوانين المحلية في كل أوربا، بحيث لا يخضع فرسان الهيكل إلا لأستاذهم الأعظم، بينما لا يخضع هو سوى للبابا نفسه. وهي امتيازات لم يحصل عليها أحد في كل أوربا.
وهكذا انهالت على المنظمة العطايا والهبات من النبلاء والملوك، فبعد انتهاء الفرسان التسعة من حفرياتهم تحت المسجد الأقصى وحصولهم على الشرعية عادوا إلى فرنسا سنة ١١٢٩، ثم رحل الأستاذ الأعظم دي بايان ومعه دي مونتبارد إلى إنجلترا ثم اسكتلندا، فحصلوا من آل سنكلير على أرض واسعة تحولت لاحقا إلى مقر قيادة.
ارتبط تكوين فرسان الهيكل ثم صعودهم بالحروب الصليبية، فهي التي جلبت لهم الشرعية وأجبرت الكنيسة الكاثوليكية على غض الطرف عن الجمع بين الرهبنة والقتال. ونظرا لكفاءتهم في القتال فقد أصبحت المنظمة القوة الأولى في مملكة أورشليم الصليبية، ففارس الهيكل الذي يجمع بين الرهبنة والفروسية يتصف بصفات لا يناظره فيها أي جندي آخر، كقوة البنية والتدريب العالي والتسليح الجيد.
ويُقسِم الفارس ألا يفر من القتال أو يخرج من الميدان إلا بإذن قائده أو إذا واجهه ثلاثة مقاتلين معاً على الأقل، والموت في الميدان هو أسمى صور الموت عنده. كما كانت خيول فرسان الهيكل مدربة على أجواء القتال، وكانت كتائبهم أشبه بقوات الصاعقة في الجيوش الحديثة، حيث تساند الجيوش الكبيرة بأعداد قليلة تنقض على العدو في سرعة خاطفة لخلخلة الصفوف.
القوة الاقتصادية
مع الوقت طور فرسان الهيكل مهاراتهم ليصبح استثمار الأموال وإدارة المزارع وتربية الخيول وإقراض الأموال والتجارة من أبرز أنشطتهم، بل تقدمت على القتال الذي صار واجهة الفرسان لجلب الشرعية فقط .
كان النبلاء المتجهون إلى الأرض المقدسة للمشاركة في الحروب يتغيبون سنوات طويلة، فيضعون ثروتهم كلها تحت سيطرة فرسان الهيكل لحمايتها، فإذا مات أو لم يعد نقلوها إلى ورثته أو إلى المنظمة إن رغب في ذلك، ويقال إن ملك فرنسا فيليب أوجست أودع ثروة التاج الفرنسي بمقر فرسان الهيكل في باريس وفوضه في إدارة الأملاك الملكية، وطوال فترة غيابه كانت عوائد إدارة هذه الثروة تذهب إليهم.
وأقام فرسان الهيكل شبكة بنكية داخل أوربا، وبينها وبين الأرض المقدسة وعبر الطرق الممتدة بينهما، فإذا أراد أوربي الحج ذهب إلى أقرب مقر لهم ليودع أموالا تغطي تكاليف الرحلة ويأخذ ما يشبه الصك ليقدمه عند كل مرحلة في رحلته إلى مقر لفرسان الهيكل فيمنحوه ما يشاء من مال، وقد أكسبت هذه التقنية فرسان الهيكل قوة سياسية ونفوذاً اقتصادياً حتى انخرطوا في تمويل التجارة ونقل البضائع، فأنشأوا أسطولاً حربياً تجارياً يتكون من ثماني عشر سفينة، ولم تكن أي دولة أوربية في حينه تملك أسطولاً بمثل سرعته وكفاءته.
صار الفرسان بمثابة شركات متعددة القوميات وعابرة للبحار تستثمر أموال الأمراء والنبلاء وتدير أراضي الإقطاعيين وتؤجر ما تمتلكه من أراض للمزارعين، وبعد خمسين عاماً من تكوينها صارت قوتها الاقتصادية تفوق قوة دول غرب أوربا مجتمعة.
وكان من أبرز أنشطة فرسان الهيكل الإقراض بالربا، حيث التفّوا على حكم الكنيسة بتحريم الربا عبر تسميته بالأجرة بدلا من الفائدة، واضطرت الكنيسة للتغاضي عن الأمر لحاجتها إلى تمويل الجيوش، فمنذ النصف الثاني للقرن الثاني عشر أصبحت المنظمة هي الممول الأبرز للحملات الصليبية.
وفي عام 1200 زاد البابا إنوسنت الثالث من قوتهم بإصدار مرسوم ينص على عدم خضوع الأفراد والأموال والبضائع داخل مقرات فرسان الهيكل ومنازلهم للقوانين المحلية الأوروبية.
وبالإضافة إلى قوتهم الاقتصادية، كان فرسان الهيكل أعظم البنائين في القرون الوسطى، فشيدوا لمنظمتهم خمسة عشر ألف مقر خلال قرنين، وكانت مقراتهم تتضمن مزارع وطواحين وحظائر خيول وكنائس وأديرة وحصونا، ومن أشهر آثارهم قلعة صفد في فلسطين.
وكان إنوسنت الثاني قد سمح لهم سنة 1139 ببناء كنائس خاصة بهم لا تخضع لسيطرة الأبرشيات والأسقفيات المحلية، فكثفوا عملية البناء، واختاروا لمقراتهم مواقع مرتفعة للإطلال على طرق الحج والتجارة، وابتدعوا تصميما جديدا للكنائس هو الطراز الدائري القوطي، والذي تعمدوا فيه محاكاة تصميم هيكل سليمان.
وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر تمايز البناؤون في أوربا إلى ثلاث طوائف، الأولى هي أبناء الأب سوبيس التي تتولى بناء الكنائس على الطراز الروماني، والثانية أبناء ميتر جاك المختصة بتشييد القناطر والجسور، أما الثالثة وهي المرتبطة بفرسان الهيكل فاسمها أبناء سليمان،
وكانت تهتم ببناء الكنائس والأديرة الضخمة على نمط العمارة القوطية، وهي تنسب نفسها للنبي سليمان بن داوود باني الهيكل، وقد وضع فرسان الهيكل في عام 1145 لائحة قواعد تنظم شؤون الحياة اليومية لأبناء سليمان، بما فيها طريقة الأكل والنوم والثياب، فهي تجعل من بناء الكنائس رسالة خالدة ولها طقوس وشروط ونمط حياة خاص، وكانت هذه الطائفة هي بذرة الماسونية كما سنرى لاحقا.
علاقة فرسان الهيكل بالباطنيين
يقول ول ديورانت في موسوعة “قصة الحضارة” إن فرقة الحشاشين الإسماعيلية استخدموا أعضاء جماعاتهم السرية في التجسس والدسائس السياسية، ثم انتقلت طقوسهم إلى بيت المقدس وأوربا، وكان لها أكبر الأثر في أنظمة فرسان الهيكل ومنظمة النور البافارية (إلوميناتي)، وغيرها من الجماعات السرية التي قامت في العالم الغربي، كما كان لها أكبر الأثر أيضًا في طقوسها وملابسها.
أما مؤلف كتاب “تاريخ الماسونية” كلافل –وهو من أقطاب الماسونية- فيؤكد أن منظمة فرسان الهيكل كانت على علاقة وثيقة بالإسماعيلية [ويقصد جماعة الحشاشين تحديداً]، فكلاهما اختارتا اللونين الأحمر والأبيض شعارًا لهما، واتبعتا النظام نفسه والمراتب نفسها، فكانت مراتب الفدائيين والرفاق والدعاة تقابل المراتب نفسها لدى فرسان الهيكل وهي المبتدئ والمنتهي والفارس، كما تآمرت المنظمتان على “هدم الدين” الذي تظاهرت باعتناقه، وشيدتا الحصون العديدة للاحتماء بها.
ويتفق معه الباحثان الماسونيان كرستوفر نايت وروبرت لوماس في كتابهما الشهير “مفتاح حيرام” بتأكيدهما على أن أصل الماسونية يرجع إلى فرسان الهيكل.
وتحدث مؤرخون عدة في الشرق والغرب عن زيارة قام بها دي مونتبارد إلى قلعة شيخ الجبل سنان بن سلمان ليتلقى على يديه أصول العمل السري والاغتيالات، ما دفعهم إلى القول إن الحشاشين الإسماعيليين لعبوا دورا جوهريا في تطوير أنظمة الجمعيات السرية لتصل إلى وضعها الحالي في العصر الحديث.
الأفول
كانت موقعة حطين سنة 1187 التي كسرت الممالك الصليبية هي بداية أفول الفرسان، حيث ارتكب الأستاذ الأعظم للمنظمة جيرار دي ريدفورد أخطاء فادحة، إذ خرج بثمانين من نخبة فرسانه لمباغته صلاح الدين الأيوبي قائد جيوش المسلمين، لكن هذا الأخير أحاط بهم وقضى عليهم، فأخطأ دي ريدفورد مجددا واستسلم ليقع أسيرا مخالفا دستور الفرسان، ثم أطلق سراحه بعد حطين بفدية باهظة.
يؤكد مؤرخون أوروبيون أن صلاح الدين أطلق سراح معظم الأسرى بعد حطين باستثناء فرسان الهيكل وفرسان مالطة، ويرى الأستاذ بجامعة نونتنغهام ديفيد نيكول في كتابه “حطين 1187” أن إعدامهم لم يكن عملاً قاسياً إذا ما أخذ بعين الإعتبار أن صلاح الدين يعلم استعداد هؤلاء الفرسان للموت بشكل دائم، فكان القضاء عليهم وعدم القبول بالفدية وسيلة ناجعة للقضاء على القوة الضاربة للصليبيين.
حاول فرسان الهيكل دفع أوروبا إلى معركة أخرى مع صلاح الدين لاستعادة القدس، لا سيما بعد سقوط إمارة صفد التي كانت تضم أمنع قلاع فرسان الهيكل، وانضم الفرسان إلى الحملة الصليبية الثالثة التي يقودها ملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد وملك فرنسا فيليب الثاني، لكن الصليبيين عجزوا عن استعادة القدس بالرغم من محاولاتهم المتكررة، فركزوا جهودهم على المدن الثلاث المتبقية لديهم وهي أنطاكية وطرابلس وصور، ونجحوا أخيرا في السيطرة على ميناء عكا عام 1191.
وبعد قرن كامل من احتلال الصليبيين لعكا، فتحها المسلمون المماليك عام 1292، وسقطت بذلك آخر قلاع فرسان الهيكل في الشرق الإسلامي، فنقل أستاذهم الأعظم جاك دي مولاي مقر قيادتهم إلى جزيرة قبرص، وقام بجولات واسعة في أوربا لتحريض البابا والملوك على شن حملة صليبية جديدة ففشل، لكنه تمكن من الحفاظ على امتيازات منظمته.
حاول فرسان الهيكل عام 1300 استعادة طرطوس على الساحل السوري، فنقلوا أسطولهم إلى جزيرة أرواد، لكن المماليك طردوهم منها بعد سنتين. ومن حينها صارت فرسان الهيكل منظمة عسكرية بلا هدف وجيشاً بلا معركة، ولم يعد في حوزتها سوى السيطرة المالية والنفوذ الاقتصادي.
وفي سنة 1305 صعد البابا كليمنت الخامس إلى الفاتيكان، وبناء على رغبة ملك فرنسا فيليب الرابع طلب من جاك دي مولاي وفولك دي فيلاريه الأستاذ الأعظم لفرسان مالطة الحضور إلى فرنسا لمناقشة دمج المنظمتين، وعندما وصل دي مولاي بدأ التحقيق معه باتهامات فيليب الرابع له بالهرطقة وممارسة السحر والخروج عن المسيحية، حيث أكد الملك أنه تمكن من اختراق منظمته باثني عشر جاسوساً تحققوا من تلك الاتهامات.
أمر فيليب الرابع باعتقال دي مولاي مع سبعين من قياداته، فاعترفوا تحت التعذيب بالاتهامات، وخلال السنوات الخمس التالية اعتقل مئة وخمسة وثلاثون آخرون واعترفوا جميعاً.
أصدر البابا مرسوماً باعتقال فرسان الهيكل في كل أوربا ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم والتحفظ عليها، وفي عام 1310 أمر فيليب الرابع بإحراق أربعة وأربعين فارساً منهم أحياء وعلناً في باريس، وقرر البابا حل المنظمة وتحويل ممتلكاتها إلى منظمة فرسان مالطة.
وفي السنة نفسها انتهت اللجنة التي كونها البابا لمتابعة قضية فرسان الهيكل وتقديم تقرير عن المنظمة وممارساتها، وكانت النتيجة هي الحكم على دي مولاي بالإعدام على الخازوق عام 1314.
وانتهت بذلك (ظاهريا) قصة الصعود الاستثنائي لأحد أكثر التنظيمات العسكرية نفوذاً، والتي نجحت خلال قرنين فقط من السيطرة على أكثر من 900 مستوطنة، وامتلاك عشرات القلاع والحصون، فضلا عن ابتكارها لأحدث أساليب التسليح والتخطيط العسكري والأعمال المصرفية والنقل والزراعة والتجارة، والتي كان لها فضل في تطور المجتمع الغربي لاحقاً.
منظمة فرسان مالطة
ما زالت هذه المنظمة قائمة حتى اليوم، بل تحولت إلى دولة ذات سيادة ومعترف بها من قبل المجتمع الدولي، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها وجود جغرافي على الأرض ولا حدود، بل هي منظمة تتخذ من قصر مالطة بمدينة روما مقرا لها، وأعضاؤها الذين يعيشون في شتى أنحاء العالم هم مواطنوها.
وكما هو حال الجمعيات السرية القائمة اليوم، فإنها تزعم أن نشاطها يقتصر على الأعمال الخيرية والطبية، حيث تدير مئات المستشفيات وتساعد في عمليات الإنقاذ والإسعاف في أكثر من 120 دولة حول العالم، إلا أنها تعلن أيضا أن هدفها الأساسي هو حماية الحق المسيحي في الحج إلى القدس، وهو الهدف الظاهري الذي أنشئت من أجله إبان الحروب الصليبية.
وتضم قوائم أعضاء المنظمة عددا من كبار السياسيين والمتنفذين في العالم، مثل رونالد ريغان وتوني بلير والملكة إليزابيث، إضافة إلى عدد من الزعماء العرب.
وقد أنتجت قناة الجزيرة في عام 2008 فيلما وثائقيا يبحث في علاقة دولة فرسان مالطة بعمليات عسكرية قذرة في العالم الإسلامي، وأهمها المشاركة في غزو العراق عبر شركة “بلاك ووتر” الأمنية.
اتهامات خطيرة
هناك ثلاثة أنواع من التهم التي وجهت لفرسان الهيكل وهي:
1- الهرطقة: إهانة المسيح وإنكار ألوهيته، البصق على الصليب والتبول فوقه، احتقار القداس ورجال الكنيسة، وإنكار المقدسات.
2- الجرائم الأخلاقية: الشذوذ الجنسي الجماعي والمنظم، وابتكار طقوس للترقي داخل المنظمة تتضمن ممارسة الشذوذ وتقبيل أعضاء التناسل.
3- الوثنية: عبادة رأس حجري لكبش ذي قرون اسمه بافوميت، عبادة وثن العذراء السوداء، وعبادة وثن لساحرة على شكل قطة سوداء.
وهذه الأفعال كانت تمارس في سرية تامة، فلم يكن للمنظمة سجلات علنية بل تحفظ كل أوراقها داخل كنائسها وقلاعها بسرية بالغة.
انقسم المؤرخون بشأن هذه الاتهامات إلى قسمين، الأول يرى أنه تم تلفيقها لفرسان الهيكل بعد أن حقد عليهم الملوك لتزايد قوتهم، وأن اعترافهم جاء تحت التعذيب.
أما الفريق الثاني فيرى أنها منظمة مهرطقة غايتها القضاء على المسيحية، حيث اعترف الفرسان بالتهم كلها في دول أخرى غير فرنسا دون تعذيب، بل كان بعضهم في حماية ملوك إنجلترا وإسبانيا والبرتغال ومع ذلك اعترفوا بالهرطقة والشذوذ الجنسي وهي جرائم تستحق الإعدام في أوربا البابوية.
كما أن عبادة أوثان محددة هي ليست من ذلك النوع من التهم الذى يختلقه أحد ويقر به تحت وطأة تعذيب، فهذه تهم لم يقر بها أحد غيرهم، وكان يمكنهم أن ينكروها بعد اعترافهم بما هو أخطر من الهرطقة والشذوذ.
ما هو معبودهم؟
تعددت النظريات لتفسير رمزية بافوميت، فرأى البعض أن هذه الرأس الحجرية ترمز لرأس يوحنا المعمدان (النبي يحيى) التي قطعها هيرود، فكان فرسان الهيكل يرون أن يوحنا المعمدان هو المسيّا الحقيقي وأن عيسى المسيح نبي كذاب. وقال آخرون إن الفرسان عثروا حقا على رأس يوحنا المعمدان في الحملة الصليبية الرابعة، بينما ذهب رأي ثالث إلى أن رأس بافوميت ترمز إلى رأس دي بايان مؤسس فرسان الهيكل، كما فسره آخرون بأنه يرمز إلى أزموديوس الجني الحارس الذي ساعد سليمان في بناء الهيكل.
أما هوج شونفيلد فقام بتحليل كلمة بافوميت Baphomet وفقا لشفرة أتباش اليهودية القديمة واستنبط أنها تعني كلمة صوفيا Sophia، أي ربة الحكمة الإغريقية وكل ربات الحكمة الأخريات ومنهن إيزيس المصرية، ويدل على ذلك أن فرسان الهيكل قدسوا رموزا وأفكارا مصرية قديمة تختلط بالتقاليد اليهودية.
وتشير الرسوم والتماثيل إلى تشابه رأس بافوميت مع “كبش مِندِس” الذي كان يُعبد في مصر وبابل على أنه تمثيل للشيطان إبليس، حيث قالوا إن إبليس دخل الجنة في جلد أفعى ليشجع الإنسان (آدم وحواء) على اكتساب المعرفة بالأكل من الشجرة، وإن إبليس عندما يهبط إلى الأرض فإنه يتجسد في هيئة كبش له قرون.
وكانت الأساطير المصرية تقول إن إيزيس تعلمت السحر من والدها “سِب”، فجسدها الكهنة في صورة امرأة لها تاج على هيئة قرنين تتوسطهما الشمس. وإذا أعدنا قراءة هذه الرمزية في ظل الوحي الإسلامي فسنجد تطابقا عجيبا مع الأحاديث النبوية التي تحظر على المسلمين الصلاة في وقتي الشروق والغروب لأن الشمس تطلع وتغرب بين قرني الشيطان، مما يقوي اعتقادنا بأن إيزيس هي إحدى تجسدات الشيطان نفسه.
وتقول أساطير الفراعنة إن “حورس” الذي يُصور على هيئة صقر قد نتج عن تزاوج إيزيس مع أخيها أوزيريس، وإنه سعى للانتقام من جده “سب” الذي قتل أباه، فأصيبت إحدى عينيه ليبقى أعوراً بعين واحدة تمثل الشمس [انظر مقال الوثنية].
ولا نجد لهذه الأساطير في مناهج البحث الغربية تأويلات أبعد من الربط فيما بينها وفي ضوء ما قاله كتبة الأساطير نفسها، كما لا نجد لدى المؤرخين والفقهاء المسلمين في القرون الماضية سوى محاولات لفهم ما رواه لهم أهل الكتاب بعد إخفاء وتحريف الكثير، وذلك قبل أن تُكتشف في العصر الحديث الكثير من الأساطير إبان الفتوحات الكبيرة في استخراج الآثار واكتشاف أسرار اللغة الهيروغليفية.
كما نجد تشابها كبيرا بين حورس ذي العين الواحدة وبين الأعور الدجال الذي ورد ذكره فيه الحديث النبوي لدى المسلمين: {لم يُبعث نبي قبلي إلا حذر قومه من الدجال الكذاب} [رواه أحمد].
ويمكن القول إن إيزيس المصرية تحل أيضا سر العذراء السوداء، فهي تُجسد بتمثال لسيدة سوداء تحمل بين يديها رضيعًا أسود، لكن الكاثوليك في أوروبا كانوا يظنون أن فرسان الهيكل أرادوا بذلك تحقير العذراء والمسيح، وظل هذا الاعتقاد سائداً حتى القرن الثامن عشر عندما اكتشف باحثون في الآثار المصرية أن العذراء السوداء ليست سوى أم الحكمة والمعرفة ومصدر الخصوبة (إيزيس) وهي تحمل وليدها حورس، وهو الرأي الذي دافع عنه المؤرخ إيان بيغ والبروفيسور ستيفان بينكو، كما أثبته بالوثائق والصور المؤلفان لين بيكنيت وكلايف برنس في كتابهما المنشور عام 1994 “كفن تورينو: صورة من؟ كشف الحقيقة الصادمة”.
ورجح باحثون -ومنهم إيان بيغ في كتابه “وثن العذراء السوداء”- أن دي كليرفو هو الذي ابتكر هذه العبادة عندما نظم مئتين وثمانين أنشودة، يتضمن كثير منها مقولة مأخوة من نشيد الأنشاد التوراتي تقول “أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم” [1: 5-6]، وهي عبارة تم نقشها على كثير من تماثيل العذراء السوداء، وما زال نحو خمسمئة تمثال منها قائما وتؤدى عندها طقوس العبادة المسيحية في كنائس أوروبا.
بناء على ما سبق، يمكن القول إن العقيدة التي كان يخفيها فرسان الهيكل وكل من تبعهم لاحقا في الجمعيات السرية المتعددة هي قريبة جدا من الديانة المانوية الفارسية القديمة، والتي تدور حول ثنائية الآلهة، بحيث يكون الشيطان نداً للإله وأجدر منه بالعبادة والتعظيم، لذا نرى في بعض طقوسهم رموزا تبدو على النقيض من الطقوس الدينية للكاثوليكية، كالقداس الأسود والعذراء السوداء. ونظرا لممارسة الجمعيات السرية في درجاتها العليا طقوس السحر والاتصال بالشياطين فلا يُستبعد أن تتلقى “مكافأتها” من الشياطين بمزيد من النفوذ والملذات.
ولادة الجمعيات السرية
لم يكن عدد المعتقلين والمحاكَمين سوى بضع مئات، بينما يقدر باحثون أن عدد الفرسان كان يتراوح ما بين 20 و50 ألفا، وقد اختفوا فور إعلان حل المنظمة، كما اختفت جميع وثائقهم وبياناتهم المالية وحتى ثرواتهم سفن أسطولهم.
قرر باحثون أن فرسان الهيكل انضموا إلى فرسان مالطة، بينما رأى آخرون أنهم اختفوا في جبال الألب السويسرية كما اندمج بعضهم في الحياة المدنية بدول أخرى وخصوصا اسكتلندا التي كانت خارج سلطة البابا، أما في البرتغال فاحتفظوا بكيانهم بعد تغيير اسمه إلى فرسان المسيح وظل قائما حتى أواخر القرن السادس عشر، وقد ساهمت هذه المنظمة في حركة الكشوف الجغرافية التي انطلقت من إسبانيا والبرتغال، فكان منهم هنري الملاح وفاسكو دي غاما، كما أبحر كريستوفر كولمبوس على متن سفن تحمل شعارهم لاكتشاف أميركا، وهو يحمل أحلاما توراتية لاستعادة أورشليم وبناء الهيكل بعد اكتشاف العالم الجديد ونهب ثرواته.
“أصول الماسونية تعود إلى عهد الحملة الصليبية الأولى، والذي أسسها في فلسطين هو أول ملوك أورشليم جودفروا دى بويون”. [كتاب الجمعيات السرية والحركات الخفية للمؤرخة نستا وبستر، نقلا عن نشرة أصدرها لمؤرخ الماسوني شيفالييه دي باراج عام 1747].
أما مؤرخو الماسونية والجمعيات السرية فيقولون إن محافل الماسون -التي كانت في الأصل أماكن لتجمع البنائين- أصبحت ملاذاً مثالياً لفرسان الهيكل، فهي الفرع الوحيد من المنظمة الذي نجا من الحل والتدمير والملاحقة، وهكذا بدأت نشأة الماسونية على يد فرسان الهيكل.
ويقول الأستاذ الأعظم للماسونية في القرن التاسع عشر الجنرال الأمريكي ألبرت بايك في كتابه “عقيدة الطقس الأسكتلندي القديم وآدابه” المنشور عام 1872: “إن هدف فرسان الهيكل الظاهر الذي أسبغ عليهم الشرعية ومنحهم الهبات وأكسبهم السلطة كان حماية الحجاج الكاثوليك، لكن الهدف الحقيقي الذي انخرطوا من أجله في الحملات الصليبية هو العمل على إعادة بناء هيكل سليمان كما وصفه النبي حزقيال وصفاً مفصلاً في السفر المسمى باسمه، فالهيكل حين يعاد بناؤه باسم الكاثوليكية وتحت راياتها سيكون قبلة العالم ومركز ومصدر أمنه وسلامه، وسيحكم بنو إسرائيل من خلاله كل الشعوب”.
أما الهدف الثاني كما يقول بايك فهو إزالة الكاثوليكية وتأسيس عالم جديد له ديانة جديدة تستمد عقائدها من “التقاليد المسيحية الأولى والنقية” التي يمثلها يوحنا المعمدان. فالقديس يوحنا هو الأب الروحي لكل الحركات الغنوصية التي تؤمن بأن خلاص البشر في المعرفة والأفكار وليس في مطلق الإيمان، وهي الحركات التي يمتزج فيها نموذج يوحنا المعمدان بالتراث الشفوي اليهودي الباطني وما يحويه من معارف وأسرار القبّالاه، وفقا لكتاب بايك.
ويضيف بايك أنه كانت توجد في الشرق إبان الحملة الصليبية الأولى طائفة من المسيحيين من أتباع يوحنا وكانت تعرف التاريخ الحقيقي للمسيح والتقاليد اليهودية وروايات التلمود والقبالاه، وهي طائفة تعارض كنيسة القديس بطرس ومسيحها (عيسى) المتمثلة في الفاتيكان.
وتعد هذه الكنيسة سرية للغاية، ويقودها أحبار عظام يتسلسلون إلى يوحنا المعمدان، وفي زمن الحروب الصليبية كان الحبر الأعظم لها يدعى ثيوكليتس، وقد تعرف على دي بايان وأطلعه على أسرار كنيسته ونصّبه خلفاً له على رئاسة الطائفة، وهذا اعتراف من بايك بأن منظمة فرسان الهيكل لم تكن سوى واجهة مسيحية لكنيسة تعادي الكاثوليكية نفسها وتنتسب إلى يوحنا وتؤمن بعقيدة غنوصية قبالية يهودية.
ويقول بايك إنه حين كان دي مولاي ينتظر حكم الإعدام في السجن أمر بتكوين أربعة محافل مركزية، الأول في نابولي لقيادة فرسان الهيكل في شرق أوروبا، والثاني في إدنبره من أجل قيادتهم في غربها، والثالث في ستوكهولم لفرسان الشمال، والرابع في باريس لفرسان الجنوب .كما انشطرت المنظمة إلى عشرات الجمعيات السرية والمنظمات الخفية وجماعات السحر والشعوذة، وتحولت مقاطعة لانجدوك جنوب فرنسا -وهي معقل فرسان الهيكل- إلى مأوى للملحدين والمهرطقين واليهود والوثنيين. ويؤكد بايك أن الماسونية الاسكتلندية هي الوريث الأقدم لفرسان الهيكل والامتداد الشرعي لها.
وكان من أبرز الجماعات الإلحادية والشيطانية التي نشطت في مناطق نفوذ فرسان الهيكل جماعة “الألبيين”، والتي حكمت عليها الفاتيكان عام 1139 بالهرطقة وبدأت بمطاردتها، ثم انضمت إلى الجمعيات السرية المشابهة التي انبثقت عن فرسان الهيكل بعد حلّها.
وتوجد في أوربا والقارة الأمريكية اليوم عشرات المنظمات السرية التي تقول إنها وريثة فرسان الهيكل، وكثير منها تضع في اسمها الهيكل أو فرسانه أو اسم أحد أساتذة فرسان الهيكل العظام، كما تحاكي في تنظيمها ودرجاتها ورموزها وطقوسها فرسان الهيكل.
ومن أهم هذه المنظمات تنظيم دي مولاي الدولي المخصص للشباب في الولايات المتحدة، الذي كان الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون من أعضائه [حسب موقع المنظمة]، ومنظمة فرسان الهيكل الاسكتلندية، وعصبة فرسان الهيكل الاسكتلندية، ومنظمة هيكل الشمس، ومنظمة دير صهيون التي سيأتي ذكرها بالتفصيل لاحقاً.
ومن أكثر المنظمات انتشارا اليوم “التنظيم العسكري السامي لهيكل أورشليم” OSMTH، وهي تؤكد أنها امتداد لفرسان الهيكل وأن دي مولاي عهد بالأستاذية إلى يوهانس لارمينيوس ثم توالى الأساتذة العظام دون انقطاع، إلى أن أخرجها الماسوني الفرنسي برنارد ريموند فابري بالابرا إلى النور سنة ١٨٠٤، وأن نابليون بونابرت كان أباً روحياً لها. وفي سنة 2001 اعترفت الأمم المتحدة بهذا التنظيم كمنظمة عاملة من أجل السلام ووضعتها في قائمة الجمعيات المدنية التي تحظى باستشارة منظمات الأمم المتحدة لها في الأزمات وتفويضها في فض النزاعات. بينما تعلن المنظمة أنها تهدف إلى الحفاظ على الأراضي المقدسة في أورشليم وحولها، وإجراء البحوث الأثرية، ودعم السلام. وكثيرا ما يتم إرسال وفودها تحت غطاء الشرعية الدولية من الأمم المتحدة إلى أماكن النزاعات في العالم الإسلامي.
منظمة دير صهيون
طبقاً للوثائق السرية التي نشرها الفرنسي بيير بلانتار في ستينيات القرن العشرين فإن جذور دير صهيون تعود إلى جمعية سرية غنوصية لا يعرف تاريخها، حيث أسسها رجل اسمه أورمس ومزج فيها المسيحية مع الوثنية، ثم أعيد بناؤها -حسب بلانتار- سنة 1070 عندما اجتمع عدة رهبان في إيطاليا لتأسيس منظمة سرية اسمها دير أورفال، وشاركوا بأنفسهم في الحملة الصليبية الأولى. وبعد سقوط بيت المقدس في يد الصليبين ساهموا في انتخاب دي بويون ليكون أول ملوك مملكة أورشليم الصليبية، لأنه سليل الأسرة الميروفنجية المتحدرة من الملك داوود.
وفي السنة نفسها أسس هؤلاء الرهبان ديرًا في جبل صهيون حسب رواية بلانتار، وكانت مهمتهم الأولى هي البحث عن كنز هيكل سليمان الذي نهبه الرومان أثناء اجتياحهم أورشليم إبان ثورة اليهود عليهم سنة 70م، ثم إعادة تكوين الأسرة الميروفنجية وإعادتها إلى حكم فرنسا وصولا إلى حكم أوروبا كلها، وكانت منظمة فرسان الهيكل جناحاً عسكرياً لدير صهيون طوال مائة عام تقريباً.
اصطدم ملك فرنسا فيليب الثاني مع ملك إنجلترا هنري الثاني عام 1188 في معركة عند قلعة جيزور بفرنسا في صراع على شرعية الحكم، حيث تنافس كلاهما على أحقية تمثيل السلالة الميروفنجية، وكان النصر من نصيب فيليب الثاني، لكن المعركة تسببت بانشقاق فرسان الهيكل المؤيدة للإنجليز عن دير صهيون المنحازة للفرنسيين، وهكذا اندثرت آثار الجمعية السرية وظلت خفية ثمانية قرون كاملة، وفقا لمزاعم بلانتار.
وفي عام 1989 نشر بلانتار قائمة بأسماء أساتذة دير صهيون العظام، زاعما أنه كان هو نفسه أستاذها الأعظم ما بين عامي 1981 و1984، كما ادعى أن كلا من إسحق نيوتن وروبرت بويل وكيجان كوكتو وليوناردو دافنشي وفيكتور هوغو كانوا في القائمة، واشتهرت هذا الجمعية باسم أخوية صهيون (أخوية سيون)، ولا سيما بعد ظهورها مؤخرا في الرواية الشهيرة “شفرة دافنشي” للبريطاني دان براون، والتي تحولت إلى فيلم هوليودي.
وبعكس المنظمات التي انحدرت من فرسان الهيكل أو زعمت أنها هي فرسان الهيكل أو أحد فروعها، فقد قدمت دير صهيون نفسها على أنها هي الأصل وأن فرسان الهيكل فرع منها. ويعد بلانتار هو المصدر الوحيد لهذه الوثائق والمعلومات، ما دفع الكثيرين للتشكيك فيها، حيث يقول المؤرخ أحمد دراج في كتابه “وثائق دير صهيون بالقدس الشريف” إن المراجع الأوروبية تجمع على أن بناء دير صهيون في القدس لم يتم إلا بعد أن اشترى ملك صقلية روبرت أنجو المنطقة من السلطان محمد بن قلاوون عام 1335، كما أن وجود الدير هناك لا يعني بالضرورة ارتباطه بجمعية سرية.
النهاية
التعليقات على الموضوع